أنا أحب ذاتي

Book-Cover

 مقدمة

في فصل بالمدرسة كان ديفيد هاملتون يقف في زاوية وحده، بينما يحضر أستاذه بقية الطلبة للذهاب في رحلة، لكن ديفيد لن يذهب معهم لأنه لم يدفع الاشتراك..كان ديفيد ينظر إلى كل التلاميذ على أنهم مميزون وجيدون، وأنه الوحيد غير الجيد لأنه لا يستطيع أن يكون مثلهم ويذهب معهم في الرحلة..

لكن في دماغه كان يقول لنفسه: أعرف أن أمي تعطيني أي مال دون تردد إذا كان معها المال، ويتذكرها وهي تتحدث مع أبيه قبل العيد، وتبكي وتقول له إن ابنته وابنه يحتاجان إلى أن يكون عندهما ملابس جديدة وألعاب مثل باقي الأطفال، وتبكي في عجز وهي لا تعرف ماذا تفعل، وهنا يدخل ديفيد غرفته ويجهش في البكاء هو الآخر.. لأنه شعر بالتعاطف مع والدته، وشعر أنه أناني لأنه ينفق مصروفه كله لنفسه، بينما تضع والدته كل مالها في البيت لا لنفسها.. وأن المال المطلوب للرحلة يمكن أن يطعمهم أسبوعًا كاملًا..

فهو يشعر أنه أقل من الأطفال في الفصل، وفي الوقت نفسه ليس جيدًا في البيت..

لو نظرت إلى كثير من الأفعال التي تفعلها في حياتك وكثير من الاختيارات التي تختارها، ستجد أن أغلبها ينبع من إحساسك بأنك غير جيد بشكل كافٍ وتريد أن تثبت نفسك، أو تشعر أنك قليل وتريد تغيير ذلك، فالسعي لأشياء مثل اللباس الفاخر والمبالغة في الأناقة قبل الخروج وأحسن سيارة وأحدث موبايل وتقنيات السيلفي الجديدة والرغبة في كل هذه الأمور، تكون نابعة من إحساسك بأنك تريد أن تصبح أفضل وتجمل صورتك الذاتية التي تشعر أنها غير جيدة بشكل كافٍ وأنها تحتاج إلى بعض البهارات التي ستجعلها لافتة!

- كل هذا نابع من  انعدام حب الذات أو رؤيتها أقل من الآخرين، ومن ثم تقلل ثقتك بنفسك، وهو ما يؤدي إلى أمرين، فإما ستجعلك تود في عمل كل المظاهر التي تبين أنك مميز ولا يشبهك أحد، وتحاول أن تعطي الناس كل الأسباب التي تجعلهم معجبين بك دائمًا بسبب خوفك من أن تكون وحدك، وإما ستجعلك تقعد في جنب من الحياة تندب حظك وتقول أنا سيئ وقليل ولا أحد يحبني! ومن ثم ستحرم من امتيازات كثيرة، فما الحل إذًا؟ تعال لنفهم..

مراحل حب الذات

 كتاب اليوم يقول لك قف مع نفسك وقل ها : أنا كافٍ!

وحاول أن تحب نفسك

- أحببتها (بصوت مختلف يوحي بأنه شخص آخر بيتكلم)

= .. من قلبك

- أحببتها  (بصوت مختلف يوحي بأنه شخص آخر بيتكلم)

= لا لا ليس من قلبـــــك 

  في مرحلة حب الذات أنت تمر ب 3 أمور: 

- أولها الشكوى من "أنا لست جيدًا بشكل كافٍ.. أنا أقل من كل الناس".
-  الثانية تكون "لقد اكتفيت من كوني قليلًا ولا يراني أحد" وتكون هذه المرحلة مليئة بالغضب من النفس ومن كل تصرفاتك ومشاعرك وأفكارك، وعلى الرغم من أن جلد الذات في الطبيعي ليس جيدًا، فإنه في هذه المرحلة يكون مفيدًا وصحيًّا جدًّا، لأنه يعطيك مساحة كبيرة تستطيع فيها أن تشكل وعيك من جديد وتكون مستعدًّا لدخول المرحلة الثالثة في حب الذات وهي أن تقول:

-   " أنا كافٍ" وهنا أنت لا تحتاج إلى أن تبهر الناس ولا أن تكسب إعجابهم ورضاهم ولا تحتاج إلى تضييع طاقتك كلها في الظهور أمامهم بمظهر لافت لنظرهم، لأنهم في هذه المرحلة لن يمثلوا لك شيئًا أصلًا، وستكون ثقتك بنفسك هي المحفز الرئيس لأفعالك بعد أن كانت رغبتك في لفت النظر وإثبات نفسك هي المحفز.

أسباب عدم حب الذات

تسألني وتقول لي لماذا يكبر أشخاص وهم يحبون أنفسهم وآخرون يكرهون أنفسهم ويرون أنهم قليلون؟ ما الذي يجعل كل واحد منهم على الصورة التي ه
و عليها؟

- أقول لك إنه سؤال ذكي جدًّا.. لأننا إذا عرفنا السبب سنستطيع إدراك هذه المشكلة لو رأيناها في أي شخص من صغره ونعرف كيف نساعده قبل أن يكبر.الوقت الذي تحتاج إليه لكي تعتاد وظيفة جديدة أو زوجًا أو زوجة أو حتى نوع شاي معين، هو الوقت الذي يعتاد فيه الدماغ مزيجًا كيميائيًّا معينًا، وواحد من أهم مكونات هذا المزيج هو "الكورتيزول" وهو هرمون الإجهاد.

- ويحدث هذا التعود غالبًا خلال الست أو السبع سنين الأولى من حياتنا ويكون نتيجة لبيئتنا العاطفية الأكثر ثباتًا.. البشر يأخذون هذا المزيج الذي اعتادوه -الذي يراه الدماغ طبيعيًّا ويحدد له كمية كورتيزول وكمية من المزيج الكيميائي- إلى مرحلة البلوغ، ويضيفون عليه لمسات مع السن لتظهر عليها نكهة مشاعرنا تجاه أنفسنا وكيف نفسر سلوك البشر وكيف نستجيب للضغوطات.. إلخ.

- إذًا ما السبب في حب الذات من عدمه؟ 

-  البيئة المحيطة:

- إننا نرى في عيون الأشخاص الأقرب لنا شكلنا ونستمد منهم تقديرنا لذواتنا وإحساسنا بها، خصوصًا الوالدين، فإننا غالبًا نكتسب تقدير الذات من مراقبتنا للأب والأم وطريقة تصرفهم، ليس هذا فقط، كذلك طريقة حديثهم معنا، فكل ما تتعرض له في الطفولة هو ما يبنيك عندما تكبر، حتى شخصية إخوتك، زملائك في الفصل، المدرس الخاص بك.

- ستقول لي هل نكتسب كل الصفات بقربنا من الناس فقط؟ أي أننا نقلدهم؟

- سأقول لك لا بالطبع، هناك عوامل أخرى تؤثر.. مثل التربية: 

- وأول شيء في التربية أن أبناءنا يتأثرون بأي كلمة نقولها لهم، وبكل براءة يصدقون كل ما يقال لهم عن أنفسهم، فلو قلت له إنك أجمل وأذكى طفل فسيصدقك، ولو كنت دائم الانتقاد والمقارنات مع الناس، سيترسخ في ذهن الطفل فورًا أنه ناقص عن كل الناس وأنه شخصية سيئة، وسيكبر معه إحساس أنه قليل بل سيؤثر ذلك في أفعاله واختيارات حياته، وفي النهاية سيكون ضعيفًا فعلًا كما رسخ بداخله!

- الخطأ الثاني في التربية هو طريقة التقويم، فالأهل عندما يخطئ ابنهم يعنفوه، ستقول وهل من المفترض أن نشعره بأن الخطأ ليس له عواقب؟ سأقول لك بالطبع لا، فالصحيح أن نهاجم الفعل أو السلوك ولا نهاجم الشخص، فلو سرق، نقول له إن السرقه خطأ ولا نقول أنت سارق، لو أخطأ نقول له الفعل خطأ ولا نقول أنت غبي، لو كذب نقول له هذا كذب ولا نقول أنت كذاب! ستقول لي دعك من متلازمة المتحذلق اللغوي هذه، فمن يفعل فعلًا معينًا يسمى فاعل! سأقول لك لا، هذا الفعل الصغير من السهل أن يتغير عندما نفهم الطفل أنه خطأ، بينما وصمه بصفة "الغبي" مثلًا وتكرارها كلما أخطأ ستشعره أن هذه هي كينونته، وأن شخصيته كلها محصورة في "الغبي".. أرأيت كيف أن الفرق كبير؟ 

- وثالث خطأ في التربية هو: الخوف من الناس، أو فعل كل شيء من أجل الناس، فيبدأ الطفل في سماع عبارات مثل "نريد أن يكون شكلنا جيدًا أمام الناس" أو "ماذا تريد أن يقول الناس عنا" ..الناس ..الناس.. متحكمون ومتدخلون في كل شيء في حياتكم، فسوف يفعل ابنك مثلك وسيضع كل الناس فوقه!

أعرف أنك ربما تكون قد مررت بكل هذه الأمور وهي السبب في شخصيتك الآن، وأعرف أن الأمر صعب عليك، لكن هل الحل أن تهاجم أهلك وتقول لهم أنتم السبب؟

في الحقيقة، لن يفيد لوم وعتاب الأهل بأي شيء، لأن ما حدث قد حدث، فاللوم لن يعيد الزمن، ثانيًا وهو الأهم أنه لا أهل يكرهون أبناءهم، تكون نياتهم حسنة دائمًا، ويريدون أن تكون أفضل شخص، ربما يكونون قد تربوا بطريقة خطأ وطبقوا بطريقة خطأ، ربما يظنون أنهم يفعلون هذا لمصلحتك وأن هذا هو الأفضل لك، وفي كل الحالات من الجيد أنك قد عرفت أن حب الذات أو كرهها أمر مكتسب على مدار السنين.

وأنك كما اكتسبت عدم تقدير الذات، فسوف تستطيع كسب نفسك وتعطيها حقها.

كيف تحب ذاتك؟

ستقول لي حسنًا لقد فهمت وعرفت الأسباب.. اجعلني أتغير الآن مثل هؤلاء الناس

سأقول إن الأمر ليس زرًّا نضغط عليه فنتغير ونحب أنفسنا فورًا، فالأمر يحتاج إلى تدريبات وتكرار وممارسة إلى أن يقتنع عقلك وحواسك بأفعالك.

وهنا نستدعي الجملة الشهيرة fake it till you make it  أي تصنع أن عندك هذه الثقة إلى أن تصبح عندك بالفعل، وأنا عن نفسي أستعملها كثيرًا في حياتي، خصوصًا مع الأمور الصعبة أو التي لا أحبها.

فمثلًا أنا أرى الحديث مع الناس صعبًا، ويحتاج إلى كاريزما معينة، لكنني لا أقول أبدًا أنا أكره التواصل البشري، بل دائمًا أحبب نفسي في هذه الأفعال وأتكلم مع الناس "كأني اجتماعي" إلى أن أصبحت جتماعيًّا فعلًا ! كلمة "كأني" كذا هي مفتاح كل شيء.

كما يقول الحديث الشريف: "إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم…"

أي أن السحر كله في ما يسمى "الممارسة الفكرية" 

- ومعناها أن تضع دماغك في موقف معين "تتخيله" وتنظر كيف ستتصرف لو كنت واثقًا في نفسك وترى أنك جيد وكافٍ.

- الدماغ فورًا بيترجم هذا التخيل إلى رسالة معناها "نحن فعلنا هذا بالفعل.. نحن متميزون" فمثلًا.. إن لديك مقابلة غدًا وتخيلت أنك دخلت المقابلة، وأنك دخلت بشجاعة وثقة في النفس وفزت بالحوار كله، دماغك سيترجم ذلك إلى "أنا الأكثر تميزًا في المقابلات" مع أنك في الحقيقة لم تفعل ذلك، لكنك عندما تشرع في فعل ذلك ستشعر أن الأمر أسهل كثيرًا من ذي قبل، لإن الثقة بنفسك ستظهر على طريقة كلامك!

وهنا أريد أن أخبرك أن الكاتب ظل فترة طويلة إلى أن فهم نفسه واستطاع أن يتعامل مع ضعفه ويحوله إلى قوة وحب لذاته.

- ومن أهم طرق علاج نفسك أن تصنع لها تقييمًا  وتنظر كيف تأثرت في طفولتك بأهلك، فربما تكون قد تأثرت مثلًا بسبب صفات سلبية رأيتها في أحد والديك وما زالت مؤثرة في حياتك إلى الآن، اجمع الصفات السلبية التي لا تعجبك وقلها لنفسك دائمًا "أنا لن أتخذ قرارات خاطئة ولن أكرر خطأ رأيته، أو أنا سأستطيع السيطرة على صحتي ولن أفعل شيئًا يضرها" هذا الكلام يجعلك ترى القوالب التي تعلمتها من المقربين منك حتى تستطيع الخروج منها، وكذلك لكي تكون متأكدًا أن الحياة ليست أشياء تحدث لنا، ولكنها أحداث نختار فعلها بعد أن نتعلمها.

- عندما نفرح أو نحزن يظهر ذلك على وجوهنا أو نبرات أصواتنا أو حتى طريقة وقفتنا ومشيتنا، فمعنى هذا أن مشاعرنا وأفكارنا تؤثر في أجسامنا، ماذا لو كنا نريد فعل العكس؟ نريد أن تؤثر أجسامنا في أفكارنا وتجعلها مليئة باثقة وحب الذات، وعذا يحدث لكن نحتاج إلى أن نعرف: مكونات العاطفة الأربعة: المشاعر- كيمياء الدماغ وهي مرتبطة بالمشاعر، فعندما تحس بالسعادة مثلًا فإن جسمك يفرز هرمونات السعادة كالسيروتونين والدوبامين.  3- الجهاز العصبي المستقل: ومعناه أن انفعالاتنا ومشاعرنا تظهر على بشرتنا وأعضاء أجسامنا حتى إن أيدينا تعرق عندما نتوتر، قلوبنا تدق بسرعة عندما نرى شخصًا نحبه.. إلخ

- 4- العضلات: وهي كذلك مرتبطة بالمشاعر.. لا تستغرب.. فأنت عندما تشعر بالسعادة.. ألا تبتسم؟ هل هذه الابتسامة حدثت لأنك ضغطت على زر الابتسام؟ أو لأنك قررت ذلك؟ أم أنها تلقائية لا إرادية تحدث عندما تشعر بالسعادة فعلًا؟

- لكن هنا أريد إخبارك أن الأمور التي ذكرناها متعددة الاتجاهات، فمثلما تؤثر المشاعر في عضلاتنا ولغة جسدنا، فكذلك العكس بالعكس..

- فلو ضحكت مثلًا من غير سبب "اصطنعت ذلك" ستشعر بعدها بسعادة، ولو كانت ضربات قلبك سريعة قليلًا ستشعر بالقلق والتوتر!

- وربما يكون هذا هو الأساس الذي تقوم عليه أغلب أدوية الاكتئاب، دواء يغير قليلًا في كيمياء دماغك فيعطيك مزيدًا من السيروتونين فتشعر بالسعادة!

- وهنا كتب "تشارلز داروين" وهو يعبر عن عواطف الإنسان والحيوان "حتى التظاهر بعاطفة ما يميل إلى إيقاظ هذه العاطفة في تفكيرنا"

- كل هذا يثبت لك أن أفكارك ومشاعرك تتحكم بشكل كبير جسمك، وادعاءك أنك "كافٍ" سينشر ذلك في جسمك كله، فمعنى ذلك أنك تمتلك الأدوات التي تستطيع أن تغير بها نفسك بسرعة.

- ولو ظهرت ثقتك بنفسك في كلامك ولغة جسدك وأفعالك -بشكل متكرر- أي بالممارسة، فمع الوقت ستصبح هذه هي شخصيتك: القوية التي ترفض الاستغلال من الناس التي ترى أنها مميزة مثل كل الناس.

- افصل الخزي عنك: فليس معنى فعلك لشيء خطأ أنك شخص خطأ "افصل هويتك عن سلوكك" كن مرنًا قليلًا مع نفسك.

- حاول النظر إلى الأمور من زاوية أخرى، فمثلا لو كان يقال لك إنك لن تنجح في حياتك إلا عندما يصبح مظهرك جيدًا، لو بدأت في حب نفسك وتقبلها ستشعر أن هناك تغيرات فورية نابعة من أنك كافٍ، وستجد عندك رغبة في أن يكون مظهرك جيدًا وتحافظ على صحتك وشكلك "من أجلك".

- لو كان لديك شيء لا يعجبك بالفعل ولا سبيل لتغييره، كصفة جسدية مثلًا، فاعلم أن معايير الجمال مختلفة عند كل شخص، ستجد أناسًا يحبون لون البشرة الأبيض وأناس يحبون الأسمر وهكذا.. فكن سعيدًا بتميزك.

وهذا سيضع الخلاصة كلها في معادلة صغيرة

التظاهر بالقوة= ينتج قوة

التظاهر بالضعف= يتنج ضعفًا

وأخيرًا

وفي النهاية..

أريد إخبارك بأن هناك شعرة بين النرجسية وبين حب الذات الطبيعي، فلا أدعوك لتكون أنانيًّا أو نرجسيًّا ولكن أدعوك لأن تحب نفسك، ولا تنكر حقك كإنسان في أن تعيش حياة طبيعية، واعلم أننا جميعًا بشر نخطئ، لأن هذا سيشعرك بأنك لست وحدك، فلا بد أن تسامح نفسك لو أخطأت ولا تكن قاسيًا عليها، بل الصحيح أن تحاول رؤية إيجابياتك كلها وترى كم مرة كنت لطيفًا مع الناس وكم مرة ساعدت غيرك، وعندها بدلًا من قولك "أنا قليل عن الناس" ستعرف فعلًا كيف تمشي فخورًا بنفسك وتقول "أنا راضٍ عن نفسي ج