لماذا من حولك أغبياء

Book-Cover



مقدمة

قديمًا كانت هناك قرية يسمع أهلها عن المدينة وسحرها لكن لا يعرفون عن حقيقتها شيئًا، وفي يوم من الأيام ذهب اثنان منهم إلى المدينة وغابوا فيها فترة، رجع الأول واجتمع الناس حوله وسألوه عن أخبار المدينة، فقال لهم لقد عرفت حقيقة المدينة "إنها مرتع الفساد وكل أهلها سكيرون لا يدينون بشيء"، وصدقه الناس بالفعل وانطلقوا في طريقهم، بعد عدد من الأيام رجع الراجل الآخر، وقال لهم لقد عرفت حقيقة المدينة، "إنها مليئة بدور العبادة وكل أهلها متدينون طيبون"، احتار الناس، وقالوا ما الذي يحدث؟ كيف يكون كلامهما متعارضًا؟ من منهما الصادق ومن الكاذب؟ فذهبوا إلى رجل عجوز وحكيم في القرية وقصوا عليه ما حدث، قال لهم كلاهما صادقان.. لكن الأول فاسد، نزل إلى أقرب خمارة في المدينة فوجدها ممتلئة، وحكم على أهل المدينة من خلالها، أما الثاني رجل صالح؛ نزل إلىى أقرب مسجد فوجده ممتلئًا، فحكم على أهل المدينة من خلاله، وقال لهم إن كل منهما رأى المدينة من خلال نفسه هو، الذي بداخله الخير رأى الخير، ومن بداخله الشر رأي الشر.
وهذا أعظم سر في الحياة، إنك تستطيع أن تجعل حياتك سعيدة، عندما تغير ما بداخلك، كل شيء يبدأ من هنا، من داخلك، وهذا مفتاح تغيير كل شيء في حياتك.
فلو أردت أن تغير حياتك إلى الأفضل، ومؤمن أنك تستطيع أن تطور من نفسك وتحسن من عيوبك، فهذا الكتاب لك.
هل جربت من قبل إحساس أن تتكلم وتشعر أن من أمامك غبي لا يفهم، أو تسأل كيف يتصرف هكذا، لو كنت مكانه لم أكن لأتصرف هذا التصرف، أو تدافع عن حق ولا تستوعب كيف لا يرون أنك على حق فعلًا؟

عامة لو حدث هذا معك، وغالبًا سيكون قد حدث بالفعل، فالكاتب يقول إن عنده الحل، والحل أن تفهم لماذا يفكر هؤلاء الناس بهذه الطريقة، حتى تستطيع التواصل معهم وتجعلهم يفهمونك، ستقول وماذا استفدت أنا من كل ذلك؟ هذا هو تفكيرهم. سأقول هل عندك كهف تستطيع أن تسكن فيه وحدك؟ ستقول لا بالتأكيد.. سأقول إذًا ليس لديك خيار غير تعلم التواصل الصحيح مع الناس، حتى تستطيع العيش وتسيير أمورك والمحافظة على علاقتك بالناس الذين يهمك أمرهم.^^


والناس عامة يتواصلون بأكثر من طريقة:

- هناك من يتواصلون بطريقة يسميها الكاتب طريقة "لله يا محسنين" وهم من يعيشون على استجداء رضا الناس عنهم، فيقدم لك كل ما تريده لترضى عنه وتنفذ له طلبه مثلًا.

-  النوع الثاني يستخدم طريقة "حقي بدراعي"، وهو الشخص الذي يأخذ ما يريد من خلال قوته وسلطته.

- أما الطريقة الثالثة والوحيدة الصحيحة، فهي "التواصل الفعال"، أن تحصل على ما تريده من خلال ثقتك وكفاءتك، عن استحقاق لا بأن تتذلل لأحد ولا بأن تجبره.

ولكن قبل أن نتحدث عن التواصل الفعال، مهم أن تفهم أنه لا توجد طريقة في الدنيا يمكنها منع الخلافات تمامًا، لأن الاختلافات بيننا لن تنتهي.

 

الخلافات


الخلافات تحدث بسبب أننا نحكم على المواقف من خلال نشأتنا وتجاربنا ومعتقداتنا السابقة، وهي ما يختلف فيها بعضنا عن بعض، فمن الطبيعي أن ينشأ الخلاف، لكن السؤال: هل كل اختلاف يعني بالتبعية وجود خلاف؟

إننا نفترض دائمًا أن الناس ترى الموقف من خلال نظارتنا نحن ومنظورنا نحن، ولكن هل منظورنا هذا هو الصحيخ فعلًا؟

قانون المؤلف الأول يقول: "إذا شعرت أنك على صواب فهذا لا يعني بالضرورة أنك هكذا".
تعامل مع الحياة على أنها قطعة بازل وكل واحد يرى جزءًا من الصورة فقط، وجهة نظرك مع وجهة نظر الآخرين هي ما يكمل الصورة الحقيقية، لذا فأي شخص في منصب مهم يكون له مستشارون..
كل واحد منا يتعامل بتجاربه وخبراته ويرى أنه هو الصحيح، ويمكن أن يكون هكذا بالفعل، لكن يمكن ألا يكون أيضًا، تفهمك لهذا الأمر يجعلك أكثر تقبلًا لاختلاف الآخرين عنك ولأخطائهم كذلك.

لأن من يفعل فعلًا خطأ فإنه لا يفعله غالبًا وهو يعلم أنه خطأ، ولكنه يظن أنه صواب، أو لا يعرف غير هذا الفعل أصلًا، وهذا سيجعلك أكثر رحمة به وتفهمًا لتصرفه.

معنى هذا أن أتقبل الخطأ وأترك المخطئ يخطئ؟
لا، لم يقل أحد هذا، لكن عندما توجهه في هذا الخطأ، عليك أن تحاوره بمنطقه هو، لا بمنطقك أنت.
فلو رأيت سائقًا مثلًا لا يرفع يده من على الكلاكس، وذهبت إليه وقلت إنك تسبب الإزعاج وغير متحضر، فسوف يرد عليك ردودًا غير لائقة، لكن لو قلت له هناك أناس كبار في السن ومرضى ولا يستطيعون النوم بسبب الكلاكس، وأنت مثال للرجولة وحسن الفهم، فإنه غالبًا سيستجيب وسيقبل ما تقول بصدر رحب، لأنك بهذه الطريقة قد خاطبت الصفات الموجودة لديه بالفعل التي يقدّرها وسيقدّر أن تصفه بها، ملخص الأمر: كلمته بلغته هو، لا بلغتك أنت.


كما أن حل أكثر الخلافات في العلاقات، الزوجية بالذات، هو أن تفهم النية وراء سلوك الطرف الآخر وألا تقف عند سلوكه فقط، ولا تتعامل مع أي موقف على أنه لا بد من وجود شخص مصيب وشخص مخطئ، فكل واحد مصيب من منظوره لذا لا بد أن يفكر كل شخص بمنظور الآخر، حتى تصل إلى حل يرضي الطرفين، غير أنك عندما تسأل من المخطئ وتحاول أن تنتصر لنفسك، فإن هذا يكون عادة على حساب علاقتكم، لذا لا بد في العلاقات أن تسير بمبدأ الربح للطرفين.


طيب.. كيف أعرف النية من وراء سلوكه؟!
معك حق، هذا سؤال صعب فعلًا، خمن الإجابة؟ سأترك لك وقتًا لتخمين الإجابة ودخول السحب، لن يستطيع الكثيرون معرفتها، الإجابة هي أن تسمعهم.. نعم.. أن تسمعهم فقط، أرأيت البساطة؟

لكن تسمعهم جيدًا، استماع فعال.

الناس يحبون الحديث عن أنفسهم، ويحبون من يسمعهم ويشاركهم تجاربهم، فاستماعك إليهم سيجعلك محبوبًا، كما أنك ستعرف أن دوافع الناس لسلوكيات معينة لم تكن تتصور أن وراءها هذا الدافع الذي يمكن أن يغير نظرتك تمامًا لتصرفاتهم، الاستماع سيجعلك تصل إلى نفوس الآخرين، فلو صمتنا وسمعنا أكثر مما نتكلم فإننا سنفهم بطريقة صحيحة.


معاملة الناس لك من اختيارك  أنت

والآن دعنا نحكي قصة سلمى وأحمد وسسألك بعدها سؤالًا.

أحمد وسلمى مخطوبان ويحب كلاهما الآخر، بمرور الوقت بدأ أحمد يشتكي من سلمى ويفكر في أن يتركها، لماذا؟ لا تحترمني، لم تقول ذلك؟ إذا أرادت شيئًا ولم أنفذه فإنها ترفع صوتها جدًّا وتتطاول في الكلام، وماذا تفعل أنت حينها؟ أمتص غضبها وأفعل لها ما تريد، في كل مرة؟ في كل مرة.

 

السؤال هنا: أين الخطأ في هذا الموقف؟ أسمعك تقول إنه ليس رجلًا ونفذ كلامها، وبالطبع هذا ليس الخطأ وليس موضوع حديثنا، الخطأ هنا أن أحمد لم يقل لها أصلا إن هذا التصرف مرفوض بالنسبة إليه، ولا قال إنه يمكن أن ينفذ لها ما تريد إن طلبته بشكل مناسب، ومن ثم جربت هي هذه الطريقة وحصلت منها على في كل مرة، فما الذي اللي يجعلها تغيرها أصلًا؟ 

القاعدة هنا أنك أنت من  يضع القوانين والحدود التي سيعاملك الناس على أساسها.
لو كان أحدهم يعاملك بشكل سيئ ففكر أولًا ما الذي فعلته أنت وسمح له أن يتصرف معك بهذا الشكل، ووضح للناس ما يضايقك بالضبط، ولا تفترض أنهم سيعرفونه وحدهم، وضع حدودًا واضحة لنفسك ولمن ستقبله أو ترفضه، ولا يحدث ذلك بالشجار والصراخ، تذكر أنك لا لا تأخذ حقك بذراعك، ولكن بالاستحقاق، وهنام فرق كبير.

 

وبالمثل عندما تتعامل مع أي شخص، تعامل معه بالطريقة التي يحب هو أن تعامله بها، فلا تفترض أنه سيحب نفس ما تحب أنت، فربما تحب أنت أن تترك لك مساحة كبيرة في التعامل، لكن خطيبتك تحب أن تشاركها كل تفاصيلها، فلا بد لكل واحد منكما أن يعامل الآخر بما يحب.


كيف تحب من لا تستطيع حبهم؟


أسألك سؤالًا: هل المشاعر شيء إرادي أم لا إرادي، بمعنى هل عندما أحب أو أكره أحدًا يحدث هذا برغبتي أم لا؟
ستقول لي بالطبع لا، فالأمر لا يحتاج إلى سؤال.
سأقول لك أحسنت جدًّا، إجابة خاطئة.
فحتى الذين تحبهم فإنك تتغاضى عن تصرفاتهم السيئة برغبتك، وعلى عكس السائد فالمشاعر شيء نستطيع أن نتحكم فيه ونوجهه أيضًا.

وأريد منك أن تفكر معي في "س" من الناس الذي لا تحبه أنت على الإطلاق، ما صفات هذا الشخص؟

فكرت؟
جميل، هل تظن أن "س" من الناس هذا يكرهه كل الناس؟ أن يوجد من يحبونه؟ بالتأكيد هناك من يحبونه ويحبونه جدًّا كذلك..
أريد منك أن تتقمص شخصية أي شخص يحب "س" هذا، وليكن صديقه، أو ابنه أو زوجته، واكتب صفات "س" من وجهة نظر هذا الشخص وماذا سيقول عنه، اكتب حتى لو لم تكن مقتنعًا، وكن صادقًا ولا تخدع نفسك، بعد أن تنتهي انظر إلى ما كتبت، هل تشعر باختلاف مشاعرك أو نظرتك إليه؟


أي شخص نكرهه عامة يكون وراء هذا الكره سبب، حتى لو كنت تشعر أنك تكرهه بلا سبب، ركز وحاول اكتشاف هذا السبب ستجده إما صفة، وإما تصرف معين تصرفه معك وضايقك،  لكن هل هذا الشخص بكل كيانه محصور في هذه الصفة أو هذا التصرف؟ أم أنه مثلك يمكن أن تكون لديه بعض الصفات أو  التصرفات الخاطئة؟
كن منصفًا، أنت تكره جزءًا من الشخص وليس الشخص عامة، وقل لنفسك أنا أكره هذا التصرف الذي فعله لكن لا تقل أنا أكرهه، ولا تتكلمشط عن الشخص بشكل سلبي في نفسك، واستخدم لغة إيجابية، فبدلًا من أن تقول إنه غبي قل إنه يفكر بطريقة مختلفة؛ مفرداتك التي تستخدمها حتى في تفكيرك عنه ستجعلك أهدأ بكثير من ناحيته، وبالمناسبة، هذا أمر مهم جدًّا حتى في كلامك لنفسك عن نفسك أنت.


الكراهية تدمر حياتك وتملؤها مشاعر سلبية وتتحكم فيك، لذا وجّه مشاعرك بشكل صحيح، وتذكر أن الحب أو الكراهية هي قرارات في يدك أنت.

ابتسم


أسألك الآن سؤالًا وجوديٌّا، هل نضحك عندما نكون سعداء، أم أننا نكون سعداء عندما نضحك؟ البيضة أولًا أم الدجاجة؟!

الحقيقة أن السعادة ليس علاقة بالظروف، ولكنها شعور تخلقه أنت بنفسك كما أن هناك من يخلقون التعاسة بأنفسهم.
فتجده يشكو من عدم امتلاك المال، وعندما يأتي المال يشكو من أن الناس تحسده على ماله، ليس عنده أبناء فيتحسر على حاله، رزق بالأبناء فيسب الإنجاب والهم الذي أصابه بسببه، وهكذا.. يبحث عن الناقص وينسى كل شيء حسن.
لذا اصنع سعادتك بنفسك، وقدر النّعم التي تملكها في كل لحظة واستمتع بها، واسخر من أحزانك وحاول التعامل مع الأمور بخفة وبساطة، بالتأكيد ستحزن في بعض الأوقات لأنك بشر، لكن المهم أن تستطيع التجاوز وتمون عندك الإرادة لذلك.



كيف أقول ما أريد أن أقول؟

والآن أريد منك أن ترى هاتين الصورتين وتقول لي

 لو أن الشخصين يقولان "معك مال؟" هل معناها واحد في الحالتين؟ نظريًّا هي نفس الكلمة بالضبط، عمليًّا الفرق كبير جدا، لأن محتوى أي كلام نقوله يمثل 7% فقط من نسبة التأثير في المستمع، أين يذهب الباقي إذًا؟
38% منه تكون لنبرة الصوت نفسها، و55% للغة جسمك وتعبيراتك في أثناء الحديث، وبشكل عام يمكن أن تفهم نفس الكلمة بأشكال مختلفة حسب عوامل كثيرة منها اختلاف معناها عند من يسمعك، فالأفضل أن تتأكد ممن أمامك عن المعنى الذي يقصده قبل أن تأخذ رد فعل.
وهناك حيلة من المهم أن تضعها في اعتبارك عندما تتحدث مع أي شخص، لكي تفهمها أريد منك أولًا ألا تفكر في وردة حمراء، وألا تتخيل سيارة سوداء.
بالطبع تقول في سرك ما هذا المزاح، بالتأكيد لقد تخيلتهم بمجرد ذكر أسمائهم، وهنا يكمن السر.

ما حدث طبيعي جدًّا، فقد تخيل لا وعيك الكلمة بمجرد أن قيلت، والنهي الذي قلته في البداية ليس له أي فائدة، لذا عندما تحب أن توصل لشخص ما شيئًا، فقل الصورة التي تريدها أن تأتي في رأسه لا العكس.
فلو قال لك بائع والله يا سيدي إننا لسنا محتالين ولا سارقين، وأسعارنا ليست غالية أبدًا، ماذا سيحدث؟ غالبًا ستشك فيه، صحيح؟
لكن لو قال لك إن أسعارنا مناسبة وأهم شيء عندنا ثقة العميل؟
لن تصدقه أيضًا، لكن هذا أمر آخر ^^

الخلاصة أن تستخدم الكلمات الإيجابية التي تريد إيصالها إلى المستمع لا العكس.

آخر شيء، لو كنت تريد جعل كل الناس ترضى عنك وتحبك، فالسر يكمن في ال "......"  .. في ال ماذا؟ ال".............".. ماذا حدث للشريط؟ هل توقف؟

بالضبط لقد توقف الشريط لأنه لا يوجد ما يجعل كل الناس تحبك أو ترضى عنك، ولا يجب أصلًا أن يكون هذا هدفًا لك، وعلى قول أحد رجال الأعمال المصريين: "من ليس له أعداء ليس له وجود"^^
لذا يجب أن يكون هدفك أن تكون راضيًا عن نفسك، وتستمد تقديرك لذاتك من قيمك وأعمالك لا من نظرة الناس إليك.

 سلام.